كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



روي أن طيرًا فجع بولده فجعل يرفرف على رأسه ويكلمه فقال: أيكم فجع هذه بولدها؟ فقال رجل: أنا، فقال: أردد إليها ولدها وكلام الذئب معه مشهور، وأكرم سليمان بمسيرة غدوة شهرًا وأكرمه بالمسير إلى بيت المقدس في ساعة، وكان حماره يعفور يرسله إلى من يريد فيجيء به، وقد شكوا إليه من ناقة أنها أغيلت، وأنهم لا يقدرون عليها فذهب إليها، فلما رأته خضعت له، وأرسل مع إذا إلى بعض النواحي، فلما وصل إلى المفازة، فإذا أسد جاثم فهاله ذلك ولم يستجرئ أن يرجع، فتقدم وقال: إني رسول رسول الله فتبصبص، وكما انقاد الجن لسليمان، فكذلك انقادوا لمحمد عليه الصلاة والسلام، وحين جاء الأعرابي بالضب، وقال لا أؤمن بك حتى يؤمن بك هذا الضب، فتكلم الضب معترفًا برسالته، وحين كفل الظبية حين أرسلها الأعرابي رجعت تعدو حتى أخرجته من الكفالة وحنت الحنانة لفراقه، وحين لسعت الحية عقب الصديق في الغار، قالت: كنت مشتاقة إليه منذ كذا سنين فلم حجبتني عنه! وأطعم الخلق الكثير، من الطعام القليل ومعجزاته أكثر من أن تحصى وتعد، فلهذا قدمه الله على الذين اصطفاهم، فقال: {وَإِذ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ} [الأحزاب: 7] فلما كانت رسالته كذلك جاز أن يسميها الله تعالى كوثرًا، فقال: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} القول السادس: الكوثر هو القرآن، وفضائله لا تحصى، {وَلَوْ أَنَّمَّا في الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقلام} [لقمان: 27] {قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَادًا لكلمات رَبّى} [الكهف: 109] القول السابع: الكوثر الإسلام، وهو لعمري الخير الكثير، فإن به يحصل خير الدنيا والآخرة.
وبفواته يفوت خير الدنيا وخير الآخرة، وكيف لا والإسلام عبارة عن المعرفة، أو ما لابد فيه من المعرفة، قال: {وَمِنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} وإذا كان الإسلام خيرًا كثيرًا فهو الكوثر.
فإن قيل: لم خصه بالإسلام، مع أن نعمه عمت الكل؟.
قلنا: لأن الإسلام وصل منه إلى غيره، فكان عليه السلام كالأصل فيه القول الثامن: الكوثر كثرة الأتباع والأشياع، ولا شك أن له من الأتباع مالا يحصيهم إلا الله، وروي أنه عليه الصلاة والسلام، قال: «أنا دعوة خليل الله إبراهيم، وأنا بشرى عيسى، وأنا مقبول الشفاعة يوم القيامة، فبينًا أكون مع الأنبياء، إذ تظهر لنا أمة من الناس فنبتدرهم بأبصارنا ما منا من نبي إلا وهو يرجو أن تكون أمته، فإذا هم غر محجلون من آثار الوضوء، فأقول: أمتي ورب الكعبة فيدخلون الجنة بغير حساب ثم يظهر لنا مثلًا ما ظهر أولًا فنبتدرهم بأبصارنا ما من نبي إلا ويرجو أن تكون أمته فإذا هم غر محجلون من آثار الوضوء فأقول: أمتي ورب الكعبة، فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يرفع لنا ثلاثة أمثال ما قد رفع فنبتدرهم، وذكر كما ذكر في المرة الأولى والثانية، ثم قال: {ليدخلن} ثلاث فرق من أمتي الجنة قبل أن يدخلها أحد من الناس» ولقد قال عليه الصلاة والسلام: «تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، ولو بالسقط» فإذا كان يباهي بمن لم يبلغ حد التكليف، فكيف بمثل هذا الجم الغفير، فلا جرم حسن منه تعالى أن يذكره هذه النعمة الجسيمة فقال: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} القول التاسع: الكوثر الفضائل الكثيرة التي فيه، فإنه باتفاق الأمة أفضل من جميع الأنبياء، قال المفضل بن سلمة: يقال رجل كوثر إذا كان سخيًا كثير الخير، وفي (صحاح اللغة): الكوثر السيد الكثير الخير، فلما رزق الله تعالى محمدًا هذه الفضائل العظيمه حسن منه تعالى أن يذكره تلك النعمة الجسيمة فيقول: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} القول العاشر: الكوثر رفعة الذكر، وقد مر تفسيره في قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك} [الشرح: 4] القول الحادي عشر: أنه العلم قالوا: وحمل الكوثر على هذا أولى لوجوه:
أحدها: أن العلم هو الخير الكثير قال: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وأمره بطلب العلم، فقال: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} [طه: 114] وسمى الحكمة خيرًا كثيرًا، فقال: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
وثانيها: أنا إما أن نحمل الكوثر على نعم الآخرة، أو على نعم الدنيا، والأول غير جائز لأنه قال: أعطينا، ونعم الجنة سيعطيها لا أنه أعطاها، فوجب حمل الكوثر على ما وصل إليه في الدنيا، وأشرف الأمور الواصلة إليه في الدنيا هو العلم والنبوة داخلة في العلم، فوجب حمل اللفظ على العلم.
وثالثها: أنه لما قال: {أعطيناك الكوثر} قال عقيبه: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر} والشيء الذي يكون متقدمًا على العبادة هو المعرفة، ولذلك قال في سورة النحل (2): {أَنْ أَنْذِرُواْ أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون} وقال في طه (14): {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى} فقدم في السورتين المعرفة على العبادة، ولأن فاء التعقيب في قوله: {فصل} تدل على أن إعطاء الكوثر كالموجب لهذه العبادة، ومعلوم أن الموجب للعبادة ليس إلا العلم، القول الثاني عشر: أن الكوثر هو الخلق الحسن، قالوا: الانتفاع بالخلق الحسن عام ينتفع به العالم والجاهل والبهيمة والعاقل، فأما الانتفاع بالعلم، فهو مختص بالعقلاء، فكان نفع الخلق الحسن أعم، فوجب حمل الكوثر عليه، ولقد كان عليه السلام كذلك كان للأجانب كالوالد يحل عقدهم ويكفي مهمهم، وبلغ حسن خلقه إلى أنهم لما كسروا سنه، قال: «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» القول الثالث عشر: الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة، فقال في الدنيا: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] وقال في الآخرة: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» وعن أبي هريرة قال عليه السلام: «إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» القول الرابع عشر: أن المراد من الكوثر هو هذه السورة، قال: وذلك لأنها مع قصرها وافية بجميع منافع الدنيا والآخرة، وذلك لأنها مشتملة على المعجز من وجوه:
أولها: أنا إذا حملنا الكوثر على كثرة الأتباع، أو على كثرة الأولاد، وعدم انقطاع النسل كان هذا إخبارًا عن الغيب، وقد وقع مطابقًا له، فكان معجزًا.
وثانيها: أنه قال: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر} وهو إشارة إلى زوال الفقر حتى يقدر على النحر، وقد وقع فيكون هذا أيضًا إخبارًا عن الغيب.
وثالثها: قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} وكان الأمر على ما أخبر فكان معجزًا ورابعها: أنهم عجزوا عن معارضتها مع صغرها، فثبت أن وجه الإعجاز في كمال القرآن، إنما تقرر بها لأنهم لما عجزوا عن معارضتها مع صغرها فبأن يعجزوا عن معارضة كل القرآن أولى، ولما ظهر وجه الإعجاز فيها من هذه الوجوه فقد تقررت النبوة وإذا تقررت النبوة فقد تقرر التوحيد ومعرفة الصانع، وتقرر الدين والإسلام، وتقرر أن القرآن كلام الله وإذا تقررت هذه الأشياء تقرر جميع خيرات الدنيا والآخرة فهذه السورة جارية مجرى النكتة المختصرة القوية الوافية بإثبات جميع المقاصد فكانت صغيرة في الصورة كبيرة في المعنى، ثم لها خاصية ليست لغيرها وهي أنها ثلاث آيات، وقد بينا أن كل واحدة منها معجز فهي بكل واحدة من آياتها معجز وبمجموعها معجز وهذه الخاصية لا توجد في سائر السور فيحتمل أن يكون المراد من الكوثر هو هذه السورة القول الخامس عشر: أن المراد من الكوثر جميع نعم الله على محمد عليه السلام، وهو المنقول عن ابن عباس لأن لفظ الكوثر يتناول الكثرة الكثيرة، فليس حمل الآية على بعض هذه النعم أولى من حملها على الباقي فوجب حملها على الكل، وروي أن سعيد بن جبير، لما روى هذا القول عن ابن عباس قال له بعضهم: إنا ناسًا يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه، وقال بعض العلماء ظاهر قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} يقتضي أنه تعالى قد أعطاه ذلك الكوثر فيجب أن يكون الأقرب حمله على ما آتاه الله تعالى من النبوة والقرآن والذكر الحكيم والنصرة على الأعداء، وأما الحوض وسائر ما أعد له من الثواب فهو وإن جاز أن يقال: إنه داخل فيه لأن ما ثبت بحكم وعد الله فهو كالواقع إلا أن الحقيقة ما قدمناه لأن ذلك وإن أعد له فلا يصح أن يقال: على الحقيقة إنه أعطاه في حال نزول هذه السورة بمكة، ويمكن أن يجاب عنه بأن من أقر لولده الصغير بضيعة له يصح أن يقال: إنه أعطاه تلك الضيعة مع أن الصبي في تلك الحال لا يكون أهلًا للتصرف، والله أعلم.
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
في قوله: {فَصْلٌ} وجوه:
الأول: أن المراد هو الأمر بالصلاة.
فإن قيل: اللائق عند النعمة الشكر، فلم قال: فصل ولم يقل: فاشكر؟
الجواب: من وجوه:
الأول: أن الشكر عبارة عن التعظيم وله ثلاثة أركان أحدها: يتعلق بالقلب وهو أن يعلم أن تلك النعمة منه لا من غيره.
والثاني: باللسان وهو أن يمدحه والثالث: بالعمل وهو أن يخدمه ويتواضع له، والصلاة مشتملة على هذه المعاني، وعلى ما هو أزيد منها فالأمر بالصلاة أمر بالشكر وزيادة فكان الأمر بالصلاة أحسن وثانيها أنه لو قال فاشكر لكان ذلك يوهم أنه ما كان شاكرًا لكنه كان من أول أمره عارفًا بربه مطيعًا له شاكرًا لنعمه، أما الصلاة فإنه إنما عرفها بالوحي، قال: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب وَلاَ الإيمان} [الشورى: 52] الثالث: أنه في أول ما أمره بالصلاة.
قال محمد عليه الصلاة والسلام: كيف أصلي ولست على الوضوء، فقال الله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} ثم ضرب جبريل بجناحه على الأرض فنبع ماء الكوثر فتوضأ فقيل له عند ذلك: {فصل}، فأما إذا حملنا الكوثر على الرسالة، فكأنه قال: أعطيتك الرسالة لتأمر نفسك وسائر الخلق بالطاعات وأشرفها الصلاة فصل لربك القول.
الثاني: {فصل لربك} أي فاشكر لربك، وهو قول مجاهد وعكرمة، وعلى هذا القول ذكروا في فائدة الفاء في قوله: {فصل} وجوهًا أحدها: التنبيه على أن شكر النعمة يجب على الفور لا على التراخي.
وثانيها: أن المراد من فاء التعقيب هاهنا الإشارة، إلى ما قرره بقوله: {وَمَا خلقتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ثم إنه خص محمدًا صلى الله عليه وسلم في هذا الباب بمزيد مبالغة، وهو قوله: {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} [الحجر: 99] ولأنه قال له: {فَإِذَا فرغت فانصب} أي فعليك بأخرى عقيب الأولى فكيف بعد وصول نعمتي إليك، ألا يجب عليك أن تشرع في الشكر عقيب ذلك القول الثالث: {فصل} أي فادع الله لأن الصلاة هي الدعاء، وفائدة الفاء على هذا التقدير كأنه تعالى يقول: قبل سؤالك ودعائك ما بخلنا عليك: {بالكوثر} فكيف بعد سؤالك لكن: «سل تعطه واشفع تشفع» وذلك لأنه كان أبدًا في هم أمته، واعلم أن القول الأول أولى لأنه أقرب إلى عرف الشرع.
المسألة الثانية:
في قوله: {وانحر} قولان:
الأول: وهو قول عامة المفسرين: أن المراد هو نحر البدن والقول.
الثاني: أن المراد بقوله: {وانحر} فعل يتعلق بالصلاة، إما قبلها أو فيها أو بعدها، ثم ذكروا فيه وجوهًا:
أحدها: قال الفراء: معناها استقبل القبلة.
وثانيها: روى الأصبغ بن نباتة عن علي عليه السلام قال: لما نزلت هذه السورة قال النبي عليه الصلاة والسلام لجبريل: «ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ قال ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت فإنه صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة».
وثالثها: روي عن علي بن أبي طالب أنه فسر هذا النحر بوضع اليدين على النحر في الصلاة، وقال: رفع اليدين قبل الصلاة عادة المستجير العائذ، ووضعها على النحر عادة الخاضع الخاشع ورابعها: قال عطاء: معناه اقعد بين السجدتين حتى يبدو نحرك وخامسها: روي عن الضحاك، وسليمان التيمي أنهما قالا: {وانحر} معناه ارفع يديك عقيب الدعاء إلى نحرك، قال الواحدي: وأصل هذه الأقوال كلها من النحر الذي هو الصدر يقال لمذبح البعير النحر لأن منحره في صدره حيث يبدو الحلقوم من أعلى الصدر فمعنى النحر في هذا الموضع هو إصابة النحر كما يقال: رأسه وبطنه إذا أصاب ذلك منه.
وأما قول الفراء إنه عبارة عن استقبال القبلة فقال ابن الأعرابي: النحر انتصاب الرجل في الصلاة بإزاء المحراب وهو أن ينصب نحره بإزاء القبلة، ولا يلتفت يمينًا ولا شمالًا، وقال الفراء: منازلهم تتناحر أي تتقابل وأنشد:
أبا حكم هل أنت عم مجالد ** وسيد أهل الأبطح المتناحر

والنكتة المعنوية فيه كأنه تعالى يقول الكعبة بيتي وهي قبلة صلاتك وقلبك وقبلة رحمتي ونظر عنايتي فلتكن القبلتان متناحرتين قال: الأكثرون حمله على نحر البدن أولى لوجوه:
أحدها: هو أن الله تعالى كلما ذكر الصلاة في كتابه ذكر الزكاة بعدها.
وثانيها: أن القوم كانوا يصلون وينحرون للأوثان فقيل له: {فصل وانحر لربك}.
وثالثها: أن هذه الأشياء آداب الصلاة وأبعاضها فكانت داخلة تحت قوله: {فَصَلّ لِرَبّكَ} فوجب أن يكون المراد من النحر غيرها لأنه يبعد أن يعطف بعض الشيء على جميعه ورابعها: أن قوله: {فَصَلِّ} إشارة إلى التعظيم لأمر الله، وقوله: {وانحر} إشارة إلى الشفقة على خلق الله وجملة العبودية لا تخرج عن هذين الأصلين وخامسها: أن استعمال لفظة النحر على نحر البدن أشهر من استعماله في سائر الوجوه المذكورة، فيجب حمل كلام الله عليه، وإذا ثبت هذا فنقول استدلت الحنفية على وجوب الأضحية بأن الله تعالى أمره بالنحر، ولابد وأن يكون قد فعله، لأن ترك الواجب عليه غير جائر، وإذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام وجب علينا مثله لقوله: {واتبعوه} [الأعراف: 158] ولقوله: {فاتبعونى يُحْبِبْكُمُ الله} [آل عمران: 31] وأصحابنا قالوا: الأمر بالمتابعة مخصوص بقوله: «ثلاث كتبت على ولم تكتب عليكم الضحى والأضحى والوتر».
المسألة الثالثة:
اختلف من فسر قوله: {فَصَلِّ} بالصلاة على وجوه:
الأول: أنه أراد بالصلاة جنس الصلاة لأنهم كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله فأمره أن لا يصلي ولا ينحر إلا لله تعالى، واحتج من جوز تأخير بيان المجمل بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى أمر بالصلاة مع أنه ما بين كيفية هذه الصلاة أجاب أبو مسلم، وقال: أراد به الصلاة المفروضة أعني الخمس وإنما لم يذكر الكيفية، لأن الكيفية كانت معلومة من قبل القول.
الثاني: أراد صلاة العيد والأضحية لأنهم كانوا يقدمون الأضحية على الصلاة فنزلت هذه الآية، قال المحققون: هذا قول ضعيف لأن عطف الشيء على غيره بالواو لا يوجب الترتيب القول الثالث: عن سعيد بن جبير صل الفجر بالمزدلفة وانحر بمنى، والأقرب القول الأول لأنه لا يجب إذا قرن ذكر النحر بالصلاة أن تحمل الصلاة على ما يقع يوم النحر.